mardi 16 avril 2019

-نقــــاط المـــراقبــة والجـــبايــة فــي المغــرب القــديــــــم – زراي أنموذجا


-نقــــاط المـــراقبــة والجـــبايــة فــي المغــرب القــديــــــم – زراي أنموذجا
زعبار توفيق



منذ سقوط قرطاجة سنة 146 ق.م، تحولت أنظار روما إلى نوميديا التي صارت هدفا لتوسع روما وسيطرتها، فاستعملت جميع الأساليب لوضعها تحت سطوتها بدءا بأسلوب التحالف وكسب ود النوميديين لتجنب الاصطدام بهم، ثم انتقلت إلى سياسة التفرقة حيث استغلت تنوع التركيبة القبلية فبدأت بإثارة القبائل ضد بعضها البعض، ومع بداية الاحتلال ربطت روما اقتصادها باقتصاد نوميديا حيث وجدت في المنطقة ضالتها فهي أرض غنية متنوعة المحاصيل والخيرات وقمحها من أجود وافضل الأنواع، فبدأت بمصادرة الأراضي وانتزاعها من ملاكها تدريجيا ومنحتها للوافدين الجدد، لكن هذا الاحتلال الذي توغل في المنطقة قوبل بعدة ثورات وحركات تمرد وعصيان طوال فترة الاحتلال الروماني، كثورة أرابيون وتاكفاريناس وغيرها من الثورات التي هددت التواجد الروماني، ولكن تنظيمه وقوته العسكرية جعل الغلبة في كفته تقريبا. ففيما يخص الجانب الإداري والعسكري قام الرومان بوضع نظام المقاطعات، والتي يحكمها إما بروقنصل كما هو الحال بالنسبة لقرطاج أو بروبرايتور مثل نوميديا أو بروكيراتور بالنسبة لموريطانيا القيصرية والطنجية، كما بدأت بإقامة مستوطنات لقدماء المحاربين وقامت بتشييد مدن ومستعمرات مرتبطة بالطرق الرئيسية خاصة في القرن1م، حيث كانت تقام في المناطق المحصنة حتى تسهل حمايتها. أما الجانب الاقتصادي فقد ركزت روما على تمليك الأرض للرومان الذين استعبدوا أصحابها، وفرضت عليهم أنواع الضرائب المختلفة كالضريبة الشخصية، ضريبة العقار، الضريبة العسكرية، الأنونا وغيرها، فمنذ أن بدأت روما بمسح الأراضي وتقسيمها فرضت عليها ضرائب تنوعت واختلفت حسب القوانين من جمع المحصول إلى غاية شحنه إلى روما، وما يهمنا هنا هو الضرائب غير المباشرة والمتمثلة في ضريبة العبور، والتي فرضت على السلع والبضائع عند دخولها سواء في حدود المقاطعات أو في حدود الإمبراطورية الرومانية برا أو بحرا من خلال الموانئ. فماهي ضريبة العبور؟ وفيما تكمن أهميتها ؟ وماهي دلائل فرضها في شمال إفريقيا ؟    
  

1.  الضرائب غير المباشرة:
في أصل أي مجتمع، كان أول شكل من أشكال الضرائب هو ما نسميه الآن الضرائب المباشرة، يلتزم فيها كل فرد من أفراد المجتمع بخصم جزء معين من ممتلكاته الشخصية أو بضاعته، عينيًا أولاً، وبعد ذلك بأموال، وهو ما يلبي احتياجات الدولة. وبين الشعوب الرعوية، هي العشر من القطعان، ومن بين الأمم المكرسة للزراعة، إنها العشر من الحصاد.
بالموارد التي توفرها الضريبة المباشرة، انضمت المجتمعات البدائية أولاً إلى تلك التي استخلصتها من المجال العام. الأراضي الصالحة للزراعة أو الرعي، المناجم، تصبح ملكًا للدولة عن طريق الحق في الاستيلاء ثم يتم تأجيرها لمصلحتها، وعندما تزداد احتياجات الدولة تدريجياً مع توسع مساحة أراضيها ومتطلبات هذا التنظيم الكامل ، تؤدي بالضرورة إلى البحث عن موارد جديدة، لتزداد حصة المساهمة لكل مواطن في الإنفاق العام.
هكذا تم إنشاء المصادر الرئيسية الثلاثة التي تغذي الخزينة شيئًا فشيئًا: وهي الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة. فالضريبة دائما تضرب مباشرة على الشخص الذي يدفع، وغالبا ما يتحملها المستهلك بشكل غير مباشر، بالنسبة للمنتج الخاضع للضريبة المباشرة، سيدخل بالتأكيد الرسوم التي دفعها عند حساب سعر التكلفة.
أما في روما وكما هو الحال مع جميع الدول الأخرى، جاءت هذه الأنواع من العائدات على التوالي لتشكيل الثروة العامة وزيادتها. لكن الرومان لم يعطوا اسمًا مختلفًا لكل منهم. على عكس المصطلح العام  tributum الضريبة المباشرة ، أياً كان الشكل الذي تتخذه temerarium، أو لاحقًا capitatio humana أوterrena، ونجد فقط كلمة vectigal، والتي تشمل في معانيها المتعددة جميع الإيرادات الأخرى للجمهورية أو الحاكم[i]
وهناك عدة معايير للتفرقة بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة، أهم معيار هو تقسيمها حسب من يتحمل عبئها، ففي نظر الكثير من الاقتصاديين أن الضريبة تكون مباشرة، إذا دفعها مباشرة للخزينة فهو من يتحملها بصفة نهائية، وتكون غير مباشرة إذا كان الذي يدفعها للخزينة لا يعد وسيطا، فالضرائب غير المباشرة هي التي يدفعها شخص ويتحملها شخص آخر.[ii]

:الوحدات الجبائية

1. اليوغوم Jugum:
    أشتق هذا المصطلح من كلمة يوغا أو اليوغيرة والتي تعني قطعة الأرض الزراعية التي يمكن حرثها بزوج من الثيران في يوم واحد، حسب نوعية الأرض ونوع الزراعة، ووحدة اليوغوم تقابل 120 يوغيرة من أراضي الدرجة الأولى و255 شجرة زيتون من الدرجة الأولى، وعليه فاليوغوم وحدة مرجعية تتوافق وطبيعة المادة المجباة عنها الضريبة.
2. الكابوت Caput:
   وتعنى بالمقدار النقدي الذي يدفعه الأشخاص عن أنفسهم، وعن اليد العاملة، وكذا رؤوس الماشية، يقيم فيها الرجل بوحدة كاملة أما المرأة فبنصف وحدة، ويمكن أن تكون المزرعة العائلية وحدة أو عدد من المزارع في مساحة واحدة، بالتالي تتكامل مع وحدة اليوغوم، أما في إفريقيا فاستعملت وحدة الكنتوريا.
3. الكنتوريا: 
    تعادل وحدة الكنتوريا 200 يوغوم (أي 50 هكتار بالتقريب)، كما لم تكن القطع الأرضية متساوية في المقاطعات الإفريقية، وهو ما يبين تصنيف الأراضي حسب النوعية والقدرة الإنتاجية، والتي استخدمت في إفريقيا لاعتبارها وحدة زراعية محلية قديمة تتناسب مع الطبيعة الجغرافية للمنطقة.  وقد تساوت هاته الوحدات الثلاث من حيث القيمة الاقتصادية، للارتباط الوثيق بين الإنسان والأرض، ومع تحديد قيمة الضريبة المفروضة على كل المقاطعات توزع القيمة الجبائية على الملزمين بدفعها.  

2. ضريبة العبور (Portorium):
1.2. لمحة عن الضريبة:
يستحيل تحديد الفترة الزمنية التي فرض فيها الرومان ضريبة العبور، خاصة وأنها تعد من أقدم الضرائب حيث عرفتها أمم كثيرة من قبل منها الإغريق والقرطاجيين الذين كانت لهم تجارة خارجية مع أمم أخرى.
ومن المؤكد أن الرومان عرفوا ضريبة العبور بعد العهد الملكي، لأن روما قبل وأثناء هذه الفترة لم تنشئ بعد موانئ مفتوحة على العالم الخارجي، ويرجع أول ذكر لهذه الضريبة إلى عام 224 ق.م، أي مزامنة لعمليات توسيع الحدود الرومانية أثناء العهد الجمهوري على حساب المقاطعات المجاورة لروما، وقد احتاج هذا التوسع أموالا طائلة مما اضطر الحكام إلى البحث عن مصادر أخرى لتحصيل الأموال اللازمة، فوجدوا ضالتهم في الضرائب غير المباشرة، خاصة ضريبة العبور أو تعريفة العبور أو رسم الجمرك بالتسمية الحديثة، لأنها أسهل وسيلة من حيث الجباية والتحصيل والتحكم الإداري.[iii]
2.2. التعريف بضريبة العبور:
استعمل الرومان مصطلح بورتوريوم Portorium للتعبير عن حقوق الجمركة وغيرها من الرسوم، وكما يبين مصدر المصطلح بورتوس Portus، الذي يدل على الميناء، أي أن هذه الضريبة يفترض أن يدفعها المعنيون بالضريبة عند مختلف الموانئ عن خروج البضائع أو دخولها.
ومع تطور التجارة الرومانية سواء داخل الإمبراطورية أو خارجها، عمم معنى مصطلح البورتوريوم على الرسوم البرية التي تدفع عن البضائع التي تعبر الحدود الداخلية بين المقاطعات دخولا وخروجا، ومنه قسم الرومان ضريبة العبور إلى قسمين: ضريبة عند الموانئ خاصة بالبضائع المصدرة نحو الدول الأخرى وقد سميت بضريبة الرسوم البحرية Portorium maritimum  وضريبة الرسوم الداخلية البرية Portorium terestre.
إن الترجمة اللغوية لمصطلح البورتوريوم تعني "حق النقل"، حيث تدفع الرسوم على شكل ضريبة عبر مختلف الموانئ وعن كل البضائع، ولهذا نسبت الضريبة إلى الميناء. أما مصطلحات العصر الحديث التي يمكننا مقابلتها بما عرفه الرومان في هذا الصنف من البضائع كلمة "الجمركة" وهي تلك الرسوم التي تدفع لخزينة الدولة مقابل تصدير البضائع إلى الخارج أو توريدها نحو البلاد، وإضافة إلى ضريبة العبور، تذكر ضريبة "رسم الطريق"Péage  وهي رسوم يدفعها المسافرون إثر عبورهم بعض الطروقات والجسور وحتى إثر قطعهم بعض الأنهار بهدف تأمينهم من المخاطر التي يمكن أن تصادفهم وكذا رسم "الدخول" Octrois وهي الرسوم التي تدفع عند الحدود الداخلية أو عند المواقع الجبائية للمدن عن البضائع التي تدخل أو تخرج عبرها، غير أن الرومان لم يفرقوا بين كل هذه الرسوم وإنما شكلت في مفهوم النظام الضريبي الروماني معنى ضرائب مختلفة تدخل في صنف ضريبة العبور كلها، فقط منها البحرية ومنها البرية.[iv]
ومنه نستنتج وجود ضريبة العبور في إفريقيا من عنصرين هامين، العنصر الأول: كون الضريبة عامة فرضها الرومان في جميع أرجاء الإمبراطورية بعد فرض سلطتها على مختلف المقاطعات، أما العنصر الثاني فنستشفه من كتابات المؤرخين اللاتينيين والوثائق القليلة التي تثبت وجود الضريبة خلال العهد الجمهوري وحتى الإمبراطوري، حيث تجبى الضريبة على طول الحدود الإفريقية البرية منها والبحرية، لاسيما أن ضريبة العبور ليست وليدة العهد الروماني بالنسبة لسكان شمال إفريقيا، بل عرفوها مع القرطاجيين الذين اشتهروا بالملاحة والتجارة الخارجية مع كل دول البحر الأبيض المتوسط آنذاك، وقد عمل الرومان على تطوير نظام الجباية لهذه الضريبة إذ شكلت كل مقاطعة أو مجموعة من المقاطعات منطقة عبور للبضائع المستوردة والمصدرة، وذلك حسب أهمية المناطق تجاريا.[v]
3.2. أهمية ضريبة العبور:
تعتبر ضريبة العبور من أقدم الضرائب وأطولها عمرا، بدليل الشواهد الأثرية -رغم قلتها– والتي عثر عليها في مختلف المقاطعات الرومانية، وذلك عبر كل فترات العهد الروماني بدون انقطاع، ما عدا الفترات الاستثنائية التي تعذرت فيها جباية ضريبة العبور، ونستدل من خلالها ثبوت جباية الضريبة حتى في روما وإيطاليا.
وحتى تحافظ الإدارة الجبائية الرومانية على دفع الضريبة بشكل منتظم ومستمر عن كل البضائع التي تعبر عبر الموانئ والخطوط الداخلية، ألغى الأباطرة الضريبة عن كل المواد الموجهة للاستهلاك الذاتي، في حين يبقى الهدف الرئيسي من فرض ضريبة العبور في نظر بعض المؤرخين هدف جبائي لا غير لملء الخزائن بالأموال، وبهذا لا توجد علاقة تربط الضريبة بالاقتصاد أو بالمبادلات التجارية كون الرسوم التي يدفعها التجار عن دخول السلع إلى بعض المدن، لا تتميز عن تلك التي يدفعونها عند الموانئ والنقاط الجمركية الاخرى.
أما من منظور آخر فنقول، إنه لم تكن الضريبة ذات أهمية لما أنشأ الرومان تلك المناطق الجمركية والنقاط الجبائية العديدة عبر كل مقاطعات الإمبراطورية، إلا أننا لا نلمس تطورا نوعيا لهذه الضريبة خاصة الضرائب غير المباشرة عامة، وإنما أحدث الرومان إصلاحات شكلية، تمثلت في رفع أو خفض الرسوم من فترة لأخرى، حسب ما تتطلبه مستجدات الساحة الاقتصادية والعسكرية، هذا ما دفع بعض المؤرخين في أواخر العهد الإمبراطوري إلى ربط تسمية الأوكتافا Octava أي الثمن من قيمة الشيء بضريبة العبور، وتكون قد تطورت عنها، لكن هذه الضريبة الجديدة فرضت ليس فقط على البضائع الكمالية وإنما على كل البضائع وبنسبة مرتفعة جدا، حتى وصلت في آخر عهد الإمبراطورية إلى  %12من قيمة سعرها، على خلاف ضريبة العبور التي كان حدها الأعلى لها لا يتجاوز 5 %في معظم المقاطعات.[vi]
3. دلائل وجود ضريبة العبور في شمال إفريقيا:
1.3. ميناء روسيكادا وتعريفة لمباز:
نظرا لقلة النقوش والنصوص الأثرية ، لا نعرف الكثير عن تلك المراكز الجبائية التي أقامها الرومان على الحدود الإفريقية، سواء تلك التي وجدت في الموانئ أو تلك التي وجدت على الحدود الداخلية بين المقاطعات والمدن، إلا أننا لا ننكر أن موانئ إفريقيا لعبت دورا هاما في النشاط التجاري، وفي تزويد الخزينة العامة بروما بالأموال، وكان أول الموانئ الذي كشفت عنه القرائن الأثرية، ميناء روسيكادا Rusicada، والتي توحي لنا بأنه كان مركزا جبائيا نشيطا، وذلك بوجود عدد كبير من القطع الرصاصية ذات أشكال قفلية مثلها مثل تلك التي عثر عليها في منطقة طرابلس، حيث تظهر لنا هذه نقوشا مختلفة على أحد وجوهها، فنجد صورا لجنود بخوذات، ومشاهد لانتصارات عسكرية، وصورا أخرى لوجوه ملتحية، كما تبرز أيضا صورا لامرأة، كتب إلى جانبها عبارة روسيكاد RVSICAD. ويبقى السؤال المطروح عند المؤرخين حول ماهية وظيفة هذه القطع؟ فيمكن الإجابة بدون الجزم على أن وظيفتها كانت جبائية، حيث استعملت للتفريق بين البضائع التي دفع التجار حقوقها الجمركية والتي لم يدفع حقوقها بعد، أضف إلى هذه القطع، تلك التي عثر عليها في ميناء قرطاجة، وهي عبارة عن أختام دائرية استعملها جباة الضرائب المقيمين بالموانئ في عملية جمركة البضائع.
أما فيما يخص الحدود الداخلية البرية، فنملك نصا منقوشا، عثر عليه في مدنية لمباز، بعيدا عن مقر المعسكر الروماني الذي أقيم في المنطقة، وتمركزت به فرقة المشاة الأغسطية الثالثة وتعد النقيشة بمثابة تعريفة، يعود تاريخ إصدارها إلى عهد الإمبراطور هادريانوس Hadrianus والإمبراطور أنطونينيوس Antoninius ويكون بذلك سابقا لنقش زاراي.[vii]
ويثبت نقش لمباز وجود ضريبة عبور في المنطقة تدفع عن البضائع التي تدخل إلى مدينة لمباز. من اللوائح الرئيسية لبورتوريوم إفريقيا أن عنوان [lex port orii] أو port [us] maximi من المستند المعروف باسم تعريفة Lambèse، والذي هو للأسف شديد القصور وغير مكتمل، والفقرة الرابعة على lex portus m (a) xim (a)  من تعريفة Zarai  في نوميديا.[viii]
وإذا كانت تعريفة لمباز شبيهة إلى حد كبير بتعريفة زراي، فإن كلاهما احتلت مكانة خاصة في التنظيم الجبائي الجمركي الذي أوجده الرومان في مقاطعات إفريقيا، إلا أن تعريفة زراي تبقى الأهم من حيث المكانة التاريخية والاقتصادية وحتى الجبائية.
4. زراي Zarai
1.4.    الإطار الجغرافي:
تقع مدينة زراية في منطقة تابعة لإقليم الهضاب العليا، بين سلسلتي الأطلس التلي والأطلس الصحراوي، يحد هذه المنطقة من الشمال جبال الساطور وسهول الهضاب العليا ومن الجنوب سلسلة جبال الرحبات وجبال الحضنة.
 ترتفع عن سطح البحر بحوالب 1000م أما الجبال المحيطة بها فترتفع بحوالي 1500م، ضمن إحداثيات  5.678862  شرقا و 35.799896 شمالا.
الموقع الإداري:
  تقع منطقة زراية في الشرق الجزائري وفي الجهة الجنوبية الشرقية لولاية سطيف، تبعد عن الولاية ب75كلم، وعن بلدية بيضاء برج بحوالي 14كم، يحدها من الشرق مشتة أولاد وذلاف، السعادنة وأولاد خامس، ومن الغرب مشتة أولاد مبارك ودائرة عن آزال، شمالا أولاد سي لكحل وبلدية بيضاء يرج، وجنوبا مشتة الشوافع وبلدية الرحبات. 
2.4.    تاريخ المنطقة:
1.2.4. موقع مدينة زراي القديمة:
تقع مدينة زراي ZARAI في نقطة عبور بين موريتانيا القيصرية ومقاطعة نوميديا في الطريق الذي يصل نقاوس NICIVIBVS بسطيفSITIFIS ،[ix] وهو ما توضحه خريطة الطرق لبيار سلاما.
وبانتمائها لمقاطعة نوميديا وامتيازها بالموقع الجغرافي الهام والمتميز بوقوعه بين السهول العليا القسنطينية والسطايفية من الجهة الشمالية ومنطقة بوابة الصحراء من الجنوب، وفي الجهة الجنوبية الغربية لزراية نجد سهول الحضنة، وحسب Pol Trousset هي معبر ما قبل الصحراء، لذلك كانت المكان المناسب لإنشاء مركز جمركي، أما أصل اسم Zarai/Zraia فهو بربري والذي يشير للمرور، التنقل وفكرة العبور، وتم العثور فيها على العديد من العناصر المعمارية ومن ضمنها نقيشة تشير إلى مركز جمركي ، إضافة لحوالي 60 نقيشة، تذكر الجنود القدماء، وبالتالي فقد تحصلوا على أراضي واستوطنوا المدينة[x].
ومن خلال خريطة بيار سلاما يظهر أن مدينة زراية هي نقطة تصل عديد المناطق القديمة من كل الجهات والتي تبين أهمية المدينة في القديم.
حسب ستيفان غزال زراية هي عبارة عن مدينة رومانية سميت قديما ب: [ORVM] AN[T]ZARAI  والتي ذكرت في C.I.L, 4511 أما ف لوحة بوتنجر فقد أطلق عليها اسم ZARAS أما أفضل اسم أطلق على المدينة هوZARAI  [xi].
2.2.4. وثيقة زراية: Tarif de Zarai
تعتبر أهم وثيقة أثرية قديمة تحتوي على جانب من جوانب الوضع الاقتصادي والتجاري في إفريقيا الرومانية والمؤرخة ب 202م، أين سجلت فيها السلع التي تخضع لضريبة العبور وأسعارها، التي تأتي من مناطق مختلفة لتمر باتجاه أسواق ومدن أخرى[xii].
هذه النقيشة مكسورة لنصفين مقاسات حقل الكتابة 1.28م×0.40م ب27سطر، ونجد ما بين السطر 25 و26 فراغ غير مكتوب[xiii].
عثر على نقيشة زراي سنة 1858، بمنطقة زراية التي تقع على الطريق الروماني الرابط بين نقاوس وسطيف، وأمل من عمل على دراستها هو الباحث Renierثم تلتها قراءات أخرى من طرف باحثين امثال Mommsen،[xiv] ويعود تاريخها إلى حكم الإمبراطور سبتيم سيفار 202م، وتم وضعها كجباية مدنية في مكان الجباية العسكرية التي كانت قبلها، وبالتالي تحديد الرسوم الواجب دفعها عن البضائع التي تمر عبر محطة زراي الجمركية[xv].
    






Le tarif de Zaraï
CIL, VIII, 4508 ; 202 p.C.
Zaraï, Numidie/Zraïa, Algérie.

Imp(eratoribus) Caes(aribus) L(ucio) Septimi
o Severo III et M(arco) Aurelio
Antonino Aug(ustis) Piis co(n)s(ulibus)
Lex portus post discessum
5 coh(ortis) instituta
Lex capitularis mancipia sin
gula (denarius et quinarius) equ(u)m equam (denarius et quinarius)
mulum mulam (denarius et quinarius) asinum
bouem (quinarius) porcum (sestertius) porcellu(m) (dupondius)
10 ouem caprum (sestertius) edum agnum (dupondius)
pecora in nundinium immunia
Lex uestis peregrinae abollam ce
natori(a)m (denarius et quinarius) tunicam ternar
iam (denarius et quinarius) lodicem (quinarius) sagum
15 purpurium (denarius) cetera uestis
Afra in singulas lacinias (quinarius?)
Lex coriaria corium perfectu(m) (quinarius)
pilos(um) (dupondius) pelle(m) ouella(m) caprin(am) (dupondius)
scordiscum malac(um) p(ondo) c(entum) [.]
20 rudia p(ondo) c(entum[xvi]) [.] (quinarius) glutinis p(ondo) d(ecem) (dupondius) spon
giaru(m) p(ondo) d(ecem) (dupondius) vacat Lex portus m(a)xim(a?)
pequaria iument(a) immunia ce
teris rebus sicut ad caput
uini amp(horam) gari amp(horam) (sestertius ou quinarius?)
25 palmae p(ondo) c(entum) (quinarius) fici p(ondo) (centum) (quinarius) uatassae no
dios (sic) decem nucis modios dec(em ?)
resina(m) pice(m) alumin p(ondo) c(entum) ferr(i?)
ترجمة النقيشة
  إلى الأباطرة، قيصر لوكيوس سيبتيموس سيفيروس، وماركوس أوريليوس أنطونيوس، التقيان، القنصلان. تنظيم رسوم العبور بعد رحيل الفرقة العسكرية.
ضريبة الرأس
تعفى من الضريبة كل المواشي الموجهة للأسواق
عبد..................ديناريوس ونصف.
حصان، فرس.........ديناريوس ونصف.
بغل، بغلة.............ديناريوس ونصف.
حمار، ثور.............نصف ديناريوس.
خنزير..................ربع ديناريوس.
خنزير صغير............ربع ديناريوس.
كبش، ماعز............ربع ديناريوس.
جدي حمل.............ربع ديناريوس.
ضريبة الأقمشة المستوردة
غطاء طاولة.............. ديناريوس ونصف.
معطف................... ديناريوس ونصف.
معطف أرجواني.......... ديناريوس.
غطاء سرير............... نصف ديناريوس.
قماش إفريقي بالقطعة....  نصف ديناريوس.

ضريبة الجلود
جلد مدبوغ............... نصف ديناريوس.
جلد خام.................. ربع ديناريوس.
جلد كبش أو ماعز........ ربع ديناريوس.
جلد خام 100 رطل...... نصف ديناريوس.
10 أرطال من الصمغ..... ربع ديناريوس.
10 أرطال من الإسفنج ... ربع ديناريوس
ضريبة العبور
لكل 100رطل من حجر الشب، الصمغ معفى من الضريبة؟
جرة خمر، جرة جاروم.......ربع ديناريوس.
لكل 100رطل من التمر....نصف ديناريوس.
لكل 100رطل من التين....نصف ديناريوس.
لكل 10 صاع من الجوز.....؟




  توصلنا في الأخير إلى أن الرسوم الجمركية أو ما تعرف بضريبة العبور هي من أقدم الضرائب التي قدمتها لنا الشواهد المادية، التي وجدت في عديد المناطق بشمال إفريقيا وتعود للفترة الرومانية، ونظرا للأهمية البالغة للضريبة في الجانب الاقتصادي والتجاري، أنشأت الإدارة الرومانية عديد المناطق الجمركية لمراقبة التجارة الخارجية وتنظيمها، لتحافظ الإدارة الجبائية على دفع الضريبة لتحصيل المال.
    وأن تعريفة زراي هي من أهم المصادر القديمة التي توضح لنا جانبا من جوانب التنظيم الاقتصادي والتجاري القديم، ومكنتنا من استنتاج الأهمية الجغرافية لموقع مدينة زراية القديمة بوقوعها في نقطة عبور القوافل بين مناطق الشرق (مقاطعة نوميديا) والغرب (مقاطعة موريطانيا). أما الأهمية الاقتصادية فتكمن في توحيد الضريبة وتواصل النشاط التجاري، ومنه شهدت المقاطعات الرومانية في تلك الفترة ازدهارا كبيرا، كما أمدتنا الوثيقة بنوع البضائع المتداولة، ومنه معرفة مناطق تواجدها، والتي عملت على تنشيط الحركة التجارية مع القبائل المجاورة.

    إذا هي نص أو وثيقة واحدة ظهرت فأمدتنا بكم كبير من المعلومات، وهي من موقع واحد ولازال هذا الموقع مجهولا بنسبة كبيرة مع الكثير الكثير من المواقع الأخرى، والتي تحتاج للبحث والدراسة فيها لنكشف لبس وغموض تاريخنا وهويتنا. 





[i]-Henri.N,. Droit romain. Des Impôts indirects chez les Romains, sous la République et sous l'Empire. , thèse pour le doctorat, Faculté de droit de Paris: 1875,pp 3-5
[ii]- عيساوي عبد القادر ،بلعروسي سيدي محمد :الامتيازات الجبائية لتحفيز الاستثمار الخاص بالجزائر –دراسة حالة ANSEJ -،مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في العلوم الاقتصادية ،جامعة أبي بكر بلقايد ، تلمسان ، سنة 2015/2016 ، ص 28.
[iii]- Cagnat, R, Le portorium (douanes, péages, octrois) chez les Romains : étude historique, géographique et administrative : thèse pour le doctorat des Lettres  faculté des lettres ,Paris,1880,pp 15-16
Cagnat, R ,Op Cit ,pp 11-13- [iv]
[v] -دليلة بورني:. تطور النظام الضريبي الروماني في شمال إفريقيا، رسالة ماجستير تاريخ قديم ، جامعة الجزائر،2001،ص ص (54-55).
[vi]- دليلة بورني،مرجع سابق ،ص ص(55-56).
[vii] -دليلة بورني،مرجع سابق ،ص ص(56-57).
[viii]- GUEDON ,S : La frontière romaine de l'Africa sous le Haut-Empire , : Bibliothèque de la Casa de Velázquez , Madrid ,Espagne,2018 ,p208
[ix]- Pierre Salama. Les voies Romaines de l’Afrique du Nord, p49.
[x] -Antiquités africaines 50 | 2014 L’Afrique du Nord de la protohistoire à la conquête arabe,  Jérôme France. Normes douanières et réglementation des échanges. Trois questions simples sur le tarif de Zaraï (Numidie), CNRS Éditions, Paris, 2014, p94.
[xi]- Stéphane Gsell, A.A.A ,1911 , F26/ p06.
[xii] - محمد العربي عقون. الاقتصاد والمجتمع في الشمال  الإفريقي القديم، ديوان المطبوعات الجامعية 10-2008، بن عكنون، الجزائر، ص141.
[xiii]- M. le Comte h. de la Ferrière. Archives des missions scientifiques et littéraires.- choix de rapports et instructions, troisième série. Tome deuxième, Paris. Imprimerie Nationale.1872, p425.
[xiv] -Pierre Morizot. Les échanges commerciaux entre la côte méditerranéenne et à l’intérieur du Maghreb au IIe siècle vus au travers du tarif Zaraï, p01.
-[xv]  دليلة بورني. تطور النظام الضريبي الروماني في شمال إفريقيا، رسالة ماجستير تاريخ قديم ، جامعة الجزائر،2001،ص57.





موقع مدينة زراي القديمة في الخريطة الأثرية لغزال

  
صورة توضح وثيقة زراي



-نقــــاط المـــراقبــة والجـــبايــة فــي المغــرب القــديــــــم – زراي أنموذجا

- نقــــاط المـــراقبــة والجـــبايــة فــي المغــرب القــديــــــم – زراي أنموذجا زعبار توفيق منذ سقوط قرطاجة سنة 146 ق.م، ت...